تحقيق في التناقض حول اضرار الدهون الغذائية
الحديث عن اضرار الدهون او الدهون الغذائية عموما، من أكثر الموضوعات التي يساء تفسيرها في مجال التغذية. كما انها من اكثر الموضوعات تعقيدا. هناك العديد من المدافعين عن الصحة الذين يروجون الى التحول الى الأغذية قليلة الدسم، والزيوت النباتية بدعوى انها هي الأفضل للصحة. بينما في الحقيقة تنطوي ادلتهم على تناقضات. من جهة اخرى هناك دراسات تثبت أن كل تلك النصائح قليلة الدسم تكاد تكون خاطئة تمامًا.[1] [2]
لا خلاف في ان الدهون الغذائية من أهم الإغذية. فهي تعتبر احد العناصر الغذائية الثلاث التي يطلق عليها المغذيات الكبيرة، او الأساسية. وهي الدهون، والكربوهيدرات، والبروتينات. فأدمغتنا تحتوي على 60٪ من الدهون، وكل خلية من الخلايا في أجسادنا تحاط بالدهون. ما يعني انها تبني الأنسجة بأي دهون نستهلكها. لذا فإن أنواع الدهون التي نختارها مهمة للغاية.
لن يكون حديثنا هنا عن فوائد الدهون الغذائية، ومضارها. بل سنحاول التعرف بشكل اكثر وضوحا على الدهون الغذائية الضارة بالصحة، و مدى المخاطر التي قد تسببها اضرار الدهون على الصحة بشكل عام. حتى يتضح لنا كيف نختار الدهون التي نستهلكها لنتجنب تلك المخاطر الصحية. وسوف ينقسم الحديث الى شقين. شق عن انواع الدهون الغذائية، ومصادرها، وآخر عن الدهون الغذائية الضارة بشكل عام، وهو ما سنتعرف عليه هنا في هذا الجزء. هناك جزء آخر فيما يخص اضرار الزيوت النباتية بشكل خاص في موضوع آخر.
انواع الدهون الغذائية
قبل ان نتعرف على الدهون الغذائية الضارة نود ان نشير الى انواع الدهون الغذائية والتي غالبا مانستهلكها في العديد من الأطعمة، او نظيفها اليها. ليسهل علينا التعرف على الدهون الضارة التي سنتحدث عنها لاحقا. تنقسم الدهون الى ثلاثة انواع رئيسية.
1. الدهون المشبعة
وهي الدهون التي عادة ماتكون صلبة في درجة حرارة الغرفة، ولهذا فهي تُعرف أيضًا بالدهون الصلبة. يوجد هذا النوع من الدهون غالبًا في الأطعمة الحيوانية. كالحليب، والجبن، واللحوم، والدواجن ، والاسماك. غير ان الدواجن، والأسماك تحتوي على دهون مشبعة بنسبة أقل من اللحوم الحمراء. توجد الدهون المشبعة أيضًا في الزيوت الاستوائية. كزيت جوز الهند، وزيت النخيل، وزبدة الكاكاو.
قد تجد مثل هذه الدهون بكثرة في الأطعمة المصنوعة من الزبدة، أو السمن. منها الكعك، والبسكويت، والحلويات. كما انه غالبا ماتضاف الزيوت الاستوائية في العديد من الوجبات الخفيفة، والأطعمة الشبيهة لمنتجات الألبان. منها مبيضات القهوة، والكريمة المخفوقة، والمارجرين.
هل الدهون المشبعة مضرة؟. تشير بعض الدراسات الى ان الدهون المشبعة قد تكون لها اضرار صحية على القلب. ويوصي المهتمون بالصحة الى الإقلال من تناولها. غير ان هذه الدراسات متضاربة النتائج.[3]
2. الدهون المتحولة
مثل هذه الدهون توجد نوعان. نوع طبيعي و يكون بكميات قليلة في بعض اللحوم كلحم البقر، والضأن، و في منتجات الألبان. النوع الآخر هو الدهون المتحولة المصنعة، و هذه الدهون تم تغييرها من خلال عملية الهدرجة وتستخلص غالبا مثل هذه الدهون من الزيوت النباتية المهدرجة جزئيًا (PHOs). الجدير ذكره انه ليس هناك دراسات كافية تذكر ما إذا كان للدهون المتحولة الطبيعية نفس التأثيرات السيئة على الصحة كالدهون المتحولة الصناعية.
تشير الدراسات الى ان هذا النوع من الدهون الغذائية يشكل ضررا على الصحة، ويوصي خبراء الصحة بمحاولة الإقلال من تناول مثل هذا النوع من الدهون.[4]
3. الدهون غير المشبعة
و هي الدهون التي تأخذ شكلا سائلا في درجة حرارة الغرفة. كما انها غالبا ماتكون زيوتًا نباتية. وقد اشارت الدراسات الى انها تساعد في تحسين مستويات الكوليسترول في الدم. وهي تنقسم الى نوعين:
النوع الاول/ الدهون الأحادية غير المشبعة: وتوجد في الزيوت النباتية، منها زيت الزيتون، والكانولا. كذلك في المكسرات، والأفوكادو، والزيتون، والفول السوداني.
النوع الآخر/ الدهون المتعددة غير المشبعة: وتحتوي على أحماض اوميقا 3، واوميقا6. يوجد هذا النوع من الدهون في بعض الزيوت النباتية مثل زيت عباد الشمس، والسمسم وفول الصويا، والذرة، والكانولا. والمأكولات البحرية.
مصادر الدهون الغذائية
تشير العديد من الدراسات الى مضار بعض الدهون الغذائية، وايضا فوائد بعضها الآخر. غير انه نرى أن هناك تضارب وتناقضات حولها. ولكن هذا التناقض قد يكون بسبب عدم فهمنا لأنواع تلك الدهون ومصادرها، وتعريف الدهون بشكل واضح. أيضا عدم الوضوح في الكثير من البحوث حول نوعية تلك الدهون مدار البحث. لذا علينا أن نعرف مصادر تلك الدهون التي نتناولها، وماهي مكوناتها. حتى نستطيع أن نحدد بسهولة ماهي الأنواع التي يمكن ان تكون ضارة بالصحة، ونصل تحديدا للدراسات التي تتحدث عن كل نوع تحديدا ليسهل علينا التعرف على الأنواع الضارة منها، وإجتنابها.
تنقسم مصادر الدهون الغذائية بشكل عام الى نوعين رئيسيين، وهما المصادر الحيوانية، والمصادر النباتية. كما ان كل مصدر منها ينقسم الى ثلاثة اقسام. وهي الطبيعي (الدهون العضوية)، والتقليدية (غير العضوية)، و الصناعي. وسوف نتعرف على كل منها على حدة لنستطيع الوصول الى ماتحدثت حوله الدراسات بشكل واضح.
المصدر الأول (الدهون الحيوانية)
تتكون النسبة الأكبر من الدهون الغذائية ذات المصدر الحيواني من الدهون المشبعة. وتنتج مثل هذه الدهون من لحوم الحيوانات البرية المعروفة بمافيها الطيور، والألبان. كذلك من لحوم الحيوانات البحرية. و تنقسم الى ثلاثة أقسام دارجة الإستخدام وهي:
1. الدهون الحيوانية الطبيعية (العضوية): وهي التي تنتج بشكل طبيعي من الحيوانات البرية التي تتغذى على المراعي الطبيعية البرية، ولم تخضع لإي إضافات صناعية على اعلافها او منتجاتها. ومثل هذه الزيوت تكون طبيعية 100%. وتفيد الدراسات بأن المنتجات العضوية الحيوانية هي الأفضل بخصوص الفوائد الصحية.[5]
2. الدهون الحيوانية الطبيعية (الغير عضوية): وهي تنتج بشكل طبيعي ايضا من الحيوانات، غير ان الحيوان يتغذى على الأعلاف الصناعية، والمعدلة، والتي تتعرض الى الأسمدة الكيماوية. كما يتعرض الحيوان الى ممارسات لزيادة الإنتاج، حيث يعطى على سبيل المثال الهرمونات، والمضادات الحيوية. وهذا النوع من المنتجات نجدها بكثرة في الأسواق. تكمن المشكلة لمثل هذه المنتجات من الدهون في مدى تأثر المنتج الحيواني، وانعكاسه على الصحة يعود الى ما يتغذى عليه الحيوان وما يتعرض اليه من ممارسات صناعية.
3. الدهون الحيوانية المعالجة: وهي الدهون التي تستحرج بطرق صناعية من الأجزاء الحيوانية كاللحوم، والمنتجات الثانوية للماشية وغيرها، او المنتجات الحيوانية التي تتم معالجتها، بطرق صناعية كالهدرجة، وغالبا ماتكون دهون متحولة. ويمكن ان نعتبره هذا النوع من الدهون الغذائية الضارة.
المصدر الآخر (الدهون النباتية)
تحتوي اكثر الزيوت النباتية على نسبة كبيرة من الدهون الغير المشبعة. وتستخلص من العديد من البذور، والثمار النباتية. مثل الزيتون، وعباد الشمس، الكانولا، القرطم، والسمسم، والنارجيل، وغيرها الكثير. و تنقسم الى ثلاثة اقسام دارجة الإستخدام. وهي:
1. الزيوت النباتية الطبيعية (العضوية): وهي الزيوت التي تستخرج من النباتات الطبيعية ذات الزراعة العضوية. ويتم استخراجها بالطرق التقليدية، وتعصر على البارد، ولاتتعرض الى معالجة. وهذا النوع من الزيوت يعتبر من الزيوت الصحية.
2. الزيوت النباتية الطبيعية (الغير عضوية): وهي نوع من الزيوت التي قد تستخرج بالطرق التقليدية، غير انها مستخلصة من نباتات غير عضوية. ويستخدم في زراعتها طرقا صناعية. فإذا يترتب امان الزيوت واثرها على الصحة بناء على ماتعرض له النبات من طرق في زراعته،ومعالجة ثماره.
3. الزيوت النباتية المعالجة او المهدرجة: وهي التي غالبا مايكون مصدرها غير عضوي. و ايضا تتعرض الى طرقا صناعية في استخلاصها، كالهدرجة، والتكرير، وغيره من طرق المعالجة التي سوف نأتي على ذكرها، وتعتبر دهون غير مشبعة متحولة، ويمكن اعتبار هذا النوع من الدهون الغذائية الضارة ايضا. كما انها هي الشائعة في الأسواق.
ماهي اضرار الدهون الغذائية
عندما يكون الحديث عن اضرار الدهون. قد يكون هذا الحديث شائكا، وبه الكثير من المغالطات. لذا يجب علينا فهم ذلك بشكل كبير، وموسع. حيث انه عندما ندرس هذا الأمر بشكل دقيق، فإنا نجد انه ليس الضرر في الدهون بحد ذاتها. لكنه يكمن في نوعية الدهون، وظروف استخلاصها، ومصادرها، وملابسات تناولها مع عناصر اخرى من الأغذية.
هل الدهون غذاء ضروري و مفيد
بشكل مباشر. نعم هي غذا ضروري، ومهم للصحة. فالدهون تعتبر من المغذيات الثلاث الكبرى، والضرورية لبناء الجسم. ولاغنى عنها في النظام الغذائي الصحي. فهي ضرورية لإمدادك بالطاقة، ودعم وظائف الخلايا، والدماغ، وتساهم في الاتصالات التي تحدث بين الخلايا المختلفة. كما أنها تساعد في حماية ألأعضاء، و تساعد الجسم على امتصاص العديد من العناصر الغذائية المهمة كالفيتامينات، وغيرها من العناصر. كذلك هي ضرورية لإنتاج هرمونات مهمة أيضًا. كما انها مصدر مهم للكوليسترول، والأحماض الدهنية التي لايستطيع الجسم انتاجها والتي تشكل جزءًا من أغشية الخلايا.
متى تصبح الدهون ضارة
كما اسلفنا أن الدهون النقية الطبيعية ليست ضارة في حد ذاتها. ولكن نوعية الدهون، وملابسات تناولها هي مايجعلها تمثل خطرا على الصحة. وفي حقيقة الأمر أنه من الخطأ ان نتحدث عن ضرر الدهون بشكل مطلق يظهر وكأن الدهون خطر على الصحة في حد ذاتها. ولكي يكون المفهوم واضحا فالمغالطة في موضوع الدهون هو أشبه بأن نتحدث عن اي عنصر غذائي مهم للصحة كان قد اختلط بشائبة فننعته بالضرر هو في ذاته. فالماء على سبيل المثال مضر بالصحة إن كان ملوثا، او في حالة ما إذا تناولناه بشكل غير صحي، ومن المغالطة هنا ان نتساءل هل الماء مضر بالصحة ام لا. وهذا هو السياق في حديث الكثيرين ممن تحدثوا عن الدهون.
لايصح أن نسأل ماهي اضرار الدهون. ولكن يمكن نسأل عن ماهي الدهون الغذائية الضارة. فالدهون الغذائية الطبيعية مفيدة وليس لها اضرار في ذاتها. هذا من جهة، ومن جهة اخرى ان الأضرار لأي عنصر غذائي يعود الى تعاطينا مع هذا العنصر. فإذا حقيقة الأمر ليست في العنصر الغذائي هل هو مفيد للصحة أم ضار، ولكن اسلوبنا الغذائي، وتعاطينا مع اي عنصر هو مايجعل منه مفيدا، او العكس. بناء على ذلك سوف نتعرف بشكل مختصر وأكثر فائدة ووضوحا على مايجعل عنصرا مثل الدهون قد يشكل خطرا على صحتك في ثلاثة حالات. وهي:
1- عدم التوازن بين تناول الدهون والكربوهيدرات
بغض النظر عن كيفية حدوث ذلك، وبشكل مبسط فإن الجسم يقوم بتحويل الكربوهيدرات الى السكريات التي يحتاجها في الطاقة، وعند زيادتها عن الحاجة فإنه يقوم بتخزينها كدهون في الجسم ليستخدمها في الطاقة مجددا عند الحاجة. كما انه يستخدم الدهون، والبروتينات في الطاقة في حالة فقدان الكربوهيدرات. وهذا ما اثبتته حمية الكيتو الصحية التي تعتمد على الدهون بنسبة اكبر في النظام الغذائي وذلك لتحويل الجسم الى الإعتماد على الدهون في امداده بالطاقة وهي طاقة انقى من التي تعتمد على الكربوهيدرات بشكل مباشر.
من هنا يتضح لنا ان عدم التوازن بين تناول الكربوهيدرات، والدهون يؤدي الى تراكم الدهون التي تؤدي بدورها الى السمنة، وغيرها من التداعيات الصحية التي يسببها عدم توازن الدهون في الجسم بشكل طبيعي.
2- تناول الدهون غير الطبيعية
الدهون الغذائية المتحولة وذات المصادر الصناعية قد تمثل خطرا على الصحة. مثل الدهون المنتجة من حيوانات، اونباتات مورست عليها امورا غير طبيعية كالتعديل الوراثي، والهرمونات، والمضادات، والأسمدة الكيميائية، وغيرها. كذلك الدهون التي تمت معالجتها كالهدرجة، والتكرير، وغيرها من المعالجات.
تشير العديد من الدراسات الى اضرار الدهون المتحولة والمعالجة ومدى مخاطرها على الصحة. مثل زيادة نسبة الكوليسترول الضار، وامراض القلب، والشرايين، والسكتات الدماغية، والسكري، والإلتهابات.
3- العناصر الغذائية في الدهون وظروف الإستخدام
لاشك ان الأثر الصحي للدهون الغذائية الطبيعية سلبيا كان او ايجابيا يعود في المقام الأول الى مكونات هذه الدهون. فقد يكون هناك عنصر او اكثر من مكونات دهون معينة يجعل منها ذات فائدة، او قد يجعل منها ضارة. على سبيل المثال (اوميقا 6) وهو من مكونات بعض الدهون وله مضار، وفوائد ايضا. وقد يحدد فوائده او مضاره طريقة التعاطي معه ومقدار تناوله. كذلك ظروف الطهي لها علاقة بأضرار الدهون، وفوائدها.
الخلاصة
إن مايجعل الدهون ضارة، او يجعلها صحية هو مصدرها، ونوعيتها، وطريقة التعامل معها سواء في الطهي او التخزين، واسلوب تناولها. بالإضافة الى نوع العناصر التي تحتوي عليها. مايعني انه في الحقيقة أن الأمر يعود بشكل كبير الى اسلوبنا في التعاطي مع الأغذية، ومدى ثقافتنا عنها.
مواضيع قد تهمك
خطورة متلازمة التمثيل الغذائي ( متلازمة الايض )
الاغذية غير المتوافقه قد تهدر طاقة الجسد